Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الكويت

«همـس الخطـوات» مجموعة رشا الضامن القصصية.. مرآة حياة

يوسف غانم

«همس الخطوات».. عنوان لا يخلو من التشويق والتساؤل: وهل تهمس الخطوات؟

نعم تهمس وتبوح عبر قصص خيالية وربما حقيقية، وهذا ما قدمته د.رشا الضامن خلال مجموعتها القصصية الصادرة عن دار قرطاس للنشر والتوزيع في الكويت 2023، والتي استخدمت فيها لغة سهلة وعبارات مختارة بدقة ومن الواقع بعيدا المصطلحات الصعبة أو الغريبة.

وقد اشتملت المجموعة على إحدى عشرة قصة جاءت بصياغة رائعة وأسلوب قصصي مميز وجذاب سواء من جانب التشويق أو اختيار الكلمات والجمل المعبرة عن تجسيد الشخصيات في كل قصة، وبما يجعلنا نتابع الأحداث وفق سيناريو لمرآة حياة يجعلنا نغوص معها، ونشعر أننا جزءا من أحداثها، رغم أن الضامن تؤكد في المقدمة أن «القصص.. حقيقة.. من وحي الخيال وأي تشابه مع شخصيات حقيقية في الواقع هو محض صدفة!».

وتقول في الإهداء: «نحلق بأحلامنا إلى أقصى مدى حتى نراها تزدهر كل يوم.. إلى حنان البدر وبيت السدرة.. عالمي الجميل».

وتبدأ بنا د.رشا الضامن الرحلة في قطار مجموعتها بـ «لقاء بطعم الوداع» من محل الحلاق نظير وشقيقيه شمس وكوثر ملتقى التسامر وتبادل الأحاديث بين الزبائن والأشقاء مع شرب شاي «الكرك» وحكاية عصام وشقيقه عبدالرحمن وزوجته دلال وابنتهما روان وأحداث موقف السيارة وقلب الحقائق وابتعاد دلال عن عمها وسفر العائلة إلى دبي، والاختباء خلف السيارة والشعور بخيبة الأمل حتى تخرج روان طبيبة ومشهد حفل تخرجها.

وفي «كعب عالي» حيث تضع الموظفة الجديدة في قسم السكرتارية فردة الحذاء على الرصيف بجانب سيارتها في مواقف السيارات وهي تنظر إليها على أنها لوحة فنية رسمت خطوطها بدقة لتعبر عن أحاسيس مختلطة، جنون، حب، أنوثة، اندفاع، وربما طيش وجرأة أو غضب، ورغبتها أن تطول لحظاتها مع الشاب فارس ذي الابتسامة المشرقة والعينين الساحرتين في ممر الوزارة القصير وأمنيتها أن يكون فارس أحلامها وواقعا تعيشه وتتمناه، وشعورها بالمسؤولية تجاه كل ما يخصه حتى النزول إلى موقف السيارات مع أغنية للفنانة الجميلة نوال.

أما «أسنان سالم» فتروي مشاعر رجل بعد التقاعد وما تنقله المرآة من علامات التقدم في السن، وجفاء زوجته سلوى بعد مودة وحب وتغير المشاعر، والحجر الصحي وتعاطف الأبناء وقرار العودة إلى الحياة والخروج من بين جدران المنزل التي تكتم أنفاسه وقرار التطوع في الصفوف الأمامية.. واندهاش الزوجة بابتسامة زوجها وأسنانه البيضاء.

والرابعة «طنين» منذ الوصول أرض الكويت ثم البيت واستقبال خالد ومي حتى الذهاب إلى الطبيب واستمرار الشعور بعدم القدرة على السمع وإحساس بأن كل صوت يبدو مكتوما مصمتا، وصولا إلى اكتشاف عالم مختلف من الأصوات التي لم يألفها والتي يستشف من خلالها ثنايا جديدة ومعاني خفية في تردداتها وإيقاع قطرات المطر عند لقائها بالأرض.

وبـ «خطوات راقصة» كانت تقطع الممر ذهابا وإيابا.. خطواتها راقصة.. كان فستانها القصير يشاركها بهجة الرقص، ملامحها تذكر بفتيات السبعينيات ووجود هاتفها الجوال لا يتماشى مع الحقبة التي جاءت منها لتستقر بيننا!

ومع توقيت كوب القهوة والوقوف وراءها في الطابور واستنشاق رائحة الهواء الذي ينقل بنسماته عبق عطرها الآسر، وشاشة هاتفها ونعومة يديها وصوتها العذب لأكرر طلبها وتذوق اختيارها لنوع القهوة.. ثم الاختفاء بين جموع المراجعين.

أما «سجادة عم جودة» فخلالها نرى أن الجميع يثني على العم جودة، مع الاستمتاع بقهوته وحكاياته المثيرة وحديثه الجميل الذي يلفت الانتباه والنصيحة بنسج الأحلام بروية وهدوء وتذكر زخارف الحياة وتعرجاتها والتكيف معها، والعمل بها بهدوء لصنع سجادة خيوطها إنجازاتنا ورسوماتها أحلامنا التي كانت يوما ما صورا وضربا من الخيال يراودنا.

ونجد «راسبوتين الكويت» ومهمة استلام الأدوية من المصحة النفسية والإحساس بالمسؤولية، مع الشعور بمن يتابعها بنظراته، هي أوهام فرضها الارتياب من طبيعة المكان.

وكيف صاح قائلا: على الرغم من أني المجنون الوحيد في العائلة كما تقول أمي، التي أصدقها دائما، إلا أني أود أن أقول لك أمرا..

وفي«همس الخطوات» هناك استعداد لخوض تجربة مخيفة، والاهتمام بالأمور الغريبة وسماع تغريد الطيور والتمييز بين أنواعها، وترتيب الثلاجة والمطبخ، والساحة الترابية ولعب الكرة وصوت عبدالباسط وهدير محرك الدراجة النارية المتقطع وانتهاء المشاجرة والسيطرة على الموقف.

وفي النهاية «استلقيت على الأريكة القريبة من النافذة، أغمضت عيني علني أسترق السمع من جديد لهمس الخطوات وأصحابها.. ضيوف خيالاتي!»

وعندما يدخل «أبوبدر» الستيني أبيض البشرة حليق الذقن والشارب السوق المركزي يرتبك العاملون وينتفض الموظفون وتطلق الصيحات المعتادة بتنسيق البضائع، والتأكد من وضع ملصقات الأسعار عليها وعلى الأرفف وتذمره من نوعية الموز، وثمار البصل والتفاح الأميركي ووقوفه عند أكياس البهارات وحمسة البزاليا والكاري والفلفل الأحمر، واصطياده أحد رواد السوق من دون غترة. والحكايات وفض المشاجرات.. ليرحل بوبدر وقد افتقدته كل وجوه الزبائن والعاملين رجال ونساء وأطفال، حتى أسراب الحمام التي وضع لها أطباق الحبوب والماء افتقدته هي الأخرى.

بقي كرسيه وحيدا يفتقد صاحبه، افتقدنا صيحاته ونصائحه.

غادرنا وبقيت ابتسامته تلف السوق.

وفي «رهان أمل» تنظر أمل بقلق إلى سماع أخبار وليد بعد أن تناقلت وسائل الإعلام تفشي وباء كورونا في كندا، فعاشت أمل مع وليد رغم المسافات التي تفصل بينهما، وكان رهانا على نجاحها ووقوفها في حياتها على أرض متزنة طوال السنوات الماضية، وأغدقت عليه حبا وحنانا رغم أنها رزقت بثلاثة فتيان قبل ولادته، فكانت تقدم له الحلول وتلتمس له الاعذار في حال إخفاقه، فلم يعرف الصلابة ومواقف الرجولة وحسن التدبير، وفي النهاية يسحق آمالها ويحطم آخر حصونها بعد موقفه الضعيف.

وفي قصتها الأخيرة ضمن المجموعة «نمى إلى علمي».. قلبت الأوراق.. عبثت بقلمي، أعددت فنجانا من القهوة، وجلست في مكتبي من دون جدوى، ضاعت الدقائق من وقتي، لم أستطع أن أكتب كلمة واحدة.

وفي المصعد الزجاجي يظهر الرجل ذو اللحية البيضاء، مع همس بين فتاتين إحداهما تريد حبا صعبا ورجلا صلبا تفوز بقلبه وحدها يهملها ويقسو عليها، وبعده شاب ثلاثيني على موعد مع شرب القهوة بابتسامة خجولة وعينين تنضحان بالوجد.

وفي المصعد تعيش قصصا واقعية خلال دقائق، لازمة لإنهاء المجموعة القصصية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى