حين ينتحل الذكاء الاصطناعي هويّتك بدقة مقلقة.. كيف تحمي نفسك؟

نشرت في
عندما تلقّى عدد من السياسيين رفيعي المستوى اتصالًا هاتفيًا، اعتقدوا أنهم يتحدثون إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، لكنهم في الواقع كانوا يتحدثون إلى مستخدم آخر الذي لجأ إلى تقنية الذكاء الاصطناعي لانتحال شخصية أحد كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تواصل المنتحل مع ثلاثة وزراء خارجية، وحاكم أمريكي، وعضو في الكونغرس الأمريكي، وأرسل إليهم رسائل صوتية ونصية منتحلًا شخصية روبيو عبر تطبيق “سيغنال” المشفّر، وذلك وفقًا لما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” في تقريرها الأول عن الحادثة.
وأفاد التقرير أن السلطات الأمريكية لم تتعرف بعد إلى هوية الجهة التي تقف وراء عملية انتحال الشخصية، لكنها ترجّح أن الهدف كان التلاعب بمسؤولين حكوميين نافذين من أجل الوصول إلى معلومات أو حسابات معينة.
وقد باتت عمليات الاحتيال المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أكثر شيوعًا مع التقدّم المتسارع في التكنولوجيا، إذ قال 28% من البالغين في المملكة المتحدة إنهم يعتقدون أنهم مستهدفون، وذلك وفقًا لاستطلاع للرأي أجراه بنك “ستارلينغ”.
ولكن ما هي الطريقة التي يتمّ اعتمادها لتوظيف الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكن تجنّب الوقوع في مثل هذه العمليات الاحتيالية؟
كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في عمليات الانتحال؟
بحسب خبراء من جامعة تشارلز ستورت الأسترالية، برز مؤخرًا أسلوب جديد في الاحتيال عبر الذكاء الاصطناعي يُعرف بـ”الاحتيال باستنساخ الصوت”، حيث يتمكن المحتالون من استنساخ صوت شخص من خلال مقطع صوتي لا تتجاوز مدته ثلاث ثوانٍ، ثم يستخدمونه لخداع الأصدقاء أو أفراد العائلة ودفعهم إلى الاعتقاد بأن أحد أحبّائهم يمرّ بأزمة ويحتاج إلى المال بشكل عاجل.
وأضاف الخبراء أن عينات الصوت التي تُستخدم في هذا النوع من الاحتيال قد تُستخرج من مقاطع فيديو قصيرة منشورة على منصات التواصل الاجتماعي، مثل “تيك توك”.
يُستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء نسخة واقعية مطابقة لصوت الشخص، من خلال التقاط أنماط حديثه، ولهجته، وحتى طريقة تنفّسه، مما يتيح له قراءة النصوص بصوت قريب للغاية من الصوت الأصلي وبدرجة عالية من الدقة.
وقد وصف تنبيه صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) هذه الرسائل بأنها شكل من أشكال “التصيد الاحتيالي”، إذ غالبًا ما تتضمّن روابط تُرسل بهدف نقل المحادثة إلى منصة أخرى، بطريقة تشبه إلى حد كبير هجمات التصيد الاحتيالي عبر البريد الإلكتروني.
ما الذي يجب فعله لتجنّب الاحتيال؟
يوصي خبيرا الأمن السيبراني، ماثيو رايت وكريستوفر شوارتز، من جامعة روتشستر الأمريكية، بضرورة توخّي الحذر تجاه المكالمات غير المتوقعة، حتى تلك التي تبدو صادرة عن أشخاص مقرّبين. ويشير الخبيران إلى أن إرسال رسالة نصية أو بريد إلكتروني مسبقًا قبل إجراء مكالمة مرتقبة يمكن أن يساعد في التحقّق من هوية المتصل والتأكد من أنه الشخص الحقيقي.
وأوضح رايت وشوارتز أن التعويل على الرقم المعرّف في خانة “جهات الاتصال” ليس كافيًا، لأن من يستخدمون تقنيات استنساخ الصوت يستطيعون أيضًا تزييف هذه المعلومات، بحيث يظهر الرقم كما لو أنه صادر عن شخص موثوق به.
وقد تُشكّل المكالمات الواردة من أرقام غير معروفة خطرًا أيضًا، بحسب بيان حقائق صادر عن لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية بشأن انتحال هوية المتصل.
من الضروري التحقّق من هوية الشخص الذي يتصل بك أو يرسل لك رسالة صوتية، ولهذا يُنصح، قبل الرد، بالبحث عن الرقم أولًا. وإذا بدا أن المتصل هو شخص تعرفه، فالأفضل أن تعاود الاتصال به باستخدام الرقم المحفوظ لديك للتأكّد من هويته، وذلك وفقًا لتوصيات مكتب التحقيقات الفيدرالي.
ويقترح مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقّق من معلومات الاتصال، أو عنوان البريد الإلكتروني، أو الروابط الإلكترونية (URL)، لرصد “الاختلافات الطفيفة” التي قد يعمد المحتالون إلى استخدامها بهدف كسب ثقتك وخداعك.
على سبيل المثال، تشير الوكالة إلى أن الجهات الخبيثة قد تلجأ إلى استخدام صور متاحة للعامة ضمن الرسائل، أو تُجري “تعديلات طفيفة على الأسماء” أو على بعض المعلومات، بهدف خداع الضحايا وإيهامهم بالمصداقية.
وأشار مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن من بين المؤشرات التي قد تكشف الاحتيال في الرسائل الصوتية وجود اختلاف في نبرة الصوت أو في اختيار الكلمات المستخدمة مقارنة بما اعتدت عليه من جهة اتصال مألوفة. وفي حال الشك، يُنصح باستخدام كلمة أو عبارة سرّية متفق عليها بين أفراد العائلة للتحقّق من الهوية.
ولتجنّب الوقوع ضحية لعملية احتيال، يُنصح بتوخي الحذر عند مشاركة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت، مثل تاريخ الميلاد، أو رقم الهاتف، أو الاسم الأوسط، أو اسم الحيوان الأليف. فقد أشار رايت وشوارتز إلى أن هذه المعلومات يمكن أن تُستخدم مع تقنيات استنساخ الصوت لانتحال هويتك أمام البنوك أو مؤسسات أخرى.
وإذا تواصل معك أحد هؤلاء المحتالين عبر الرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية وتفاعلت معه، يوصي رايت وشوارتز بضرورة الوعي بتحيّزاتك الفكرية والعاطفية، لأن المحتالين غالبًا ما يسعون لاستغلالها للتأثير عليك وزيادة فرص نجاحهم في خداعك.
وإذا كان الشخص ينتحل شخصية أحد تعرفه، ففكّر جيدًا في محتوى ما يُقال لك. وينصح رايت وشوارتز بأنه في حال كانت الرسالة أو المكالمة تتضمّن أمورًا غير مألوفة، أو تُعزز أسوأ مخاوفك تجاه هذا الشخص، فعليك التعامل مع الموقف بحذر شديد.