Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وفنون

بعد 3400 عام… مدينة فرعونية مرتبطة بتوت عنخ آمون تظهر من رمال الإسكندرية

اعلان

في كشف أثري استثنائي يعيد رسم ملامح التاريخ المصري القديم، أعلن فريق من علماء الآثار الفرنسيين عن اكتشاف بقايا مدينة مصرية تعود إلى أكثر من 3400 عام، بالقرب من موقع الإسكندرية المعاصرة. وتشير الأدلة إلى أن هذه المدينة قد تكون من تأسيس الملك إخناتون، أحد أبرز حكام الأسرة الثامنة عشرة، والمعروف بإحداثه ثورة دينية جذرية، وكونه والد الفرعون الذائع الصيت توت عنخ آمون.

هذا الاكتشاف البالغ الأهمية، الذي نشر في مجلة Antiquity، يسلّط الضوء على بقايا مبانٍ من الطوب اللبن تنتمي إلى العصر الذهبي لمصر القديمة، وتحديداً إلى الأسرة الثامنة عشرة (نحو 1550–1292 قبل الميلاد)، وهي حقبة تميزت بثرائها السياسي والديني، وشهدت تحوّلات عميقة في العقائد والممارسات الروحية.

تقع هذه المدينة القديمة في موقع يُعرف اليوم باسم “كوم النُوجس”، على بعد نحو 45 كيلومتراً غرب مدينة الإسكندرية، عند شريط صخري يربط بين البحر المتوسط وبحيرة مريوط. وعلى الرغم من انطلاق أعمال التنقيب في هذا الموقع منذ عام 2013، ظل الاعتقاد سائداً أن المنطقة لم تُسكن إلا في الفترة الهلنستية، أي عقب وصول الإغريق إلى مصر في عام 332 قبل الميلاد.

لكن الاكتشاف الجديد قلب هذه الفرضية رأساً على عقب. فقد صرّح عالم الآثار الفرنسي سيلفان دهنين، من جامعة ليون والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، لمجلة New Scientist قائلاً: “لقد كانت مفاجأة حقيقية أن نعثر على بقايا تعود إلى عصر المملكة الحديثة في هذا الموقع”. وأضاف: “إنه اكتشاف يعيد صياغة تصورنا لحدود مصر الغربية في تلك الحقبة”.

ومن بين أبرز القطع المكتشفة، شظايا جرّة فخارية مختومة باسم “مريتاتون”، والتي يُعتقد أنها الابنة الكبرى لإخناتون والملكة نفرتيتي، وأخت أو أخت غير شقيقة للملك توت عنخ آمون. يشير وجود هذا الختم إلى احتمال أن المدينة كانت تضم منشآت لإنتاج النبيذ مخصّصة للعائلة الملكية، ما يعكس توجهاً لتوسيع العلامات التجارية الرسمية في الاقتصاد المصري القديم.

وفي تصريح لموقع Live Science، أوضح دهنين أن “وجود هذا النوع من الأختام يرمز إلى نشاط اقتصادي مرتبط بالمؤسسة الملكية، وربما كانت مزارع الكروم جزءاً من أراضٍ محمية عسكرياً شكلت خطاً أمامياً في مساعي احتلال هذه التخوم الصحراوية”.

شملت المكتشفات أيضاً شواهد أثرية تحمل اسم الملك سيتي الثاني (الذي حكم بين عامي 1203 و1197 ق.م)، إلى جانب بقايا معمارية يُرجَّح أنها تعود لمعبد شُيّد تكريماً للفرعون رمسيس الثاني، الذي كثيراً ما يُقرَن بسرديات الخروج التوراتية.

رغم أن الحجم الكامل للمستوطنة لا يزال مجهولاً، فإن التخطيط الحضري المتقدّم واضح في تصميم شارع رئيسي مائل بعناية لتصريف المياه، في دلالة على مستوى عالٍ من التنظيم والوعي المعماري.

موجة من الاكتشافات الأثرية المتلاحقة

يأتي هذا الاكتشاف ليُضاف إلى سلسلة من الاكتشافات الكبرى التي شهدتها مصر خلال الأشهر الأخيرة. فقد أعلن فريق أثري بريطاني-مصري، بقيادة الدكتور بيرس ليثرلاند، عن العثور على مقبرة الفرعون تحتمس الثاني، في أول اكتشاف لمقبرة ملكية منذ اكتشاف قبر توت عنخ آمون عام 1922. وقد تم العثور على المقبرة الجديدة في الوديان الغربية لجبانة طيبة، قرب مدينة الأقصر.

وفي تصريح له، وصف محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، هذا الاكتشاف بأنه “واحد من أهم الاكتشافات الأثرية في السنوات الأخيرة”.

لاحقاً، أعلن الفريق نفسه عن العثور المحتمل على مقبرة ثانية لتحتمس الثاني، مدفونة بعمق 23 متراً تحت تلة مخفية بعناية باستخدام الركام والحجر الجيري والرماد والجص. واعتبر ليثرلاند أن هذا الاكتشاف قد يحتوي على الرفات المحنطة للفرعون، قائلاً لصحيفة The Observer: “نرجح أن تكون هذه الكومة التي تطلبت جهداً هائلاً في إخفائها، تخفي المقبرة الثانية لتحتمس الثاني”.

وفي سياق آخر، سجل فريق أثري فرنسي-سويسري في وقت سابق من هذا العام اكتشافاً آخراً مذهلاً، تمثل في العثور على مقبرة طبيب رفيع المستوى من البلاط الملكي، عاش قبل أكثر من 4000 عام. وتدل النقوش الموجودة في الموقع على أن الطبيب يُدعى “تيتينبفو”، وكان من كبار الأطباء في عهد الملك بيبي الثاني (نحو 2305–2118 قبل الميلاد).

تشير هذه الاكتشافات المتوالية إلى مرحلة جديدة في علم المصريات، تتسع فيها الحدود الزمنية والمكانية لما كان يُعتقد أنه معروف أو محسوم. فالمنطقة الغربية من دلتا النيل، التي لطالما اعتُبرت هامشاً حضرياً خلال الدولة الحديثة، قد تُعيد تموضعها كبؤرة حيوية في قلب مشهد القوة والسيادة الفرعونية.

إن الكشف عن مستوطنة “كوم النُوجس”، بامتداداتها الملكية وشواهدها المعمارية الدقيقة، لا يسلّط الضوء على بُعدٍ حضاري فحسب، بل يفتح الباب أمام تساؤلات جديدة حول الجغرافيا السياسية لمصر القديمة، وحدودها، وشبكاتها الاقتصادية. كما يدفع هذا الاكتشاف بالمؤرخين وعلماء الآثار إلى إعادة النظر في خرائط النفوذ الثقافي والديني التي سادت تلك الحقبة الذهبية من التاريخ المصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى