Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

أي مستقبل لملف السويداء السورية؟

دخل ملف السويداء جنوب سوريا مرحلة جديدة تتسم بتزايد الفجوة بين القوى المسيطرة على المحافظة والحكومة السورية، في امتداد لارتدادات المواجهات المسلحة التي استمرت نحو أسبوعين في يوليو/تموز الماضي.

ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية لمعالجة تداعيات التصعيد الميداني، مثل تسهيل مغادرة عشائر البدو من مناطق التماس مع الدروز في السويداء، والعمل على استدامة دخول المساعدات، وتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات، فإن هذه الخطوات لا يبدو أنها كفيلة بالتوصل إلى حل نهائي قريب لهذا الملف الشائك.

الحكومة السورية سهلت مغادرة عشائر البدو وتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات (سانا)

تصعيد سياسي

في العاشر من أغسطس/آب الجاري، أصدر اثنان من أبرز مشايخ العقل في السويداء، يوسف جربوع وحمود الحناوي المعروفان سابقا بتأييدهما للحوار مع الحكومة السورية، بيانات هاجما فيها الحكومة واتهما قواتها بارتكاب انتهاكات وعمليات “تطهير العرقي” في المحافظة، كما وجها الشكر لرئيس المحكمة الدرزية في إسرائيل موفق طريف.

وبدا ذلك وكأنه اصطفاف مع موقف حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل للدروز في السويداء، الذي شارك في التاسع من الشهر الجاري بكلمة عن بعد ضمن مؤتمر نظمه تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بمحافظة الحسكة وصفه مؤيدو الحكومة السورية بأنه “مؤتمر لحشد الأقليات ضد الأكثرية والحكومة”.

وفي كلمته، دعا الهجري لأن يكون الاجتماع بداية لمسار جديد في “بناء الوطن”، وهو ما اعتُبر إشارة لعدم الاعتراف بدور الحكومة السورية، خاصة مع ظهوره وإلى جانبه راية الطائفة الدرزية من دون وجود العلم السوري.

وسبقت هذه التطورات خطوة لافتة تمثلت في إعلان المجلس العسكري والمرجعية الدينية في السويداء، في السابع من أغسطس/آب، تشكيل “اللجنة القانونية العليا” التي أسست بدورها مكتبا تنفيذيا لإدارة شؤون الخدمات، وجهازا للأمن الداخلي.

وفسر مراقبون هذه الخطوة بأنها محاولة لترسيخ استقلالية المحافظة عن دمشق، التي ردّت بإحالة القضاة المشاركين في اللجنة إلى التحقيق.

وقد دفعت تلك الخطوات التصعيدية باتجاه إعطاء الأزمة طابعا شعبيا ولم تعد محصورة بالحكومة، حيث لاقت رفضا واسعا في الأوساط السورية واعتبرت خطوة أولية باتجاه الانفصال خاصة مع إزالة العلم السوري من السويداء.

ومن جهة أخرى، فإن الهياكل التي أعلنت عنها اللجنة القانونية تضم شخصيات عملت في نظام الأسد، وعلى رأسهم العميد أجود نصر الذي تم تكليفه بمنصب مدير الأمن الداخلي، وشغل سابقا منصب رئيس فرع الأمن السياسي في عهد بشار الأسد.

تكريس التدخل الدولي في السويداء

تصدر حكمت الهجري الأصوات التي طالبت بتدويل ملف السويداء وتوفير الحماية الدولية، وهو موقف عبر عنه منذ وقت مبكر وقبل اندلاع المواجهات الدامية التي شهدتها السويداء منتصف يوليو/تموز الماضي بين قوات عشائرية وفصائل درزية محلية، وما تبعه من تدخل للقوات الحكومية.

الجديد في مسار الدعوة للتدويل تمثل في انضمام شيخَي العقل الآخرين، يوسف جربوع وحمود الحناوي، اللذين يتقاسمان المرجعية الدينية مع الهجري، إلى المطالبة بالتدخل الدولي.

فقد تضمنت بياناتهما الأخيرة دعوة لتشكيل لجنة تحقيق دولية للتقصي عن الانتهاكات التي شهدتها السويداء، إلى جانب مطالبة الدول الضامنة بالتدخل لضمان انسحاب القوات الحكومية من المحافظة، في إشارة إلى الأردن والولايات المتحدة، اللذين يرعيان مفاوضات مع إسرائيل لخفض التصعيد بينها وبين دمشق، ويبحثان مع الحكومة السورية مستقبل المحافظة.

ومنذ موجة التصعيد الأخيرة في السويداء، ترفض الجهة المسيطرة على المدينة المتمثلة بالمجلس العسكري وبعض المجموعات المحلية أي تعاون مع الحكومة السورية حتى في إدخال المساعدات الإنسانية، حيث وافقت هذه الجهات فقط على أن يتولى الهلال الأحمر السوري مرافقة قوافل المساعدات التي ترسلها الحكومة ومنظمات إنسانية، مع رفض دخول أي وفد وزاري إلى المدينة، كما نادت أصوات من السويداء يتقدمها الهجري بفتح معبر حدودي مع الأردن.

وقد فتح التصعيد العسكري والتوترات الأمنية الباب أمام تدخل إسرائيلي أوسع، حيث أرسلت تل أبيب عبر طائرات مروحية مساعدات إلى السويداء منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، بالإضافة إلى نقلها جرحى إلى المشافي الإسرائيلية.

كما أكدت تقارير صدرت عن وسائل إعلام سورية أن المروحيات الإسرائيلية حملت أيضا أسلحة لمقاتلي المجلس العسكري في السويداء، الأمر الذي يكرس البعد الخارجي في الأزمة، ويعقد من جهود حلها داخليا.

وأكد موقع أكسيوس بعيد اللقاء، الذي احتضنه الأردن في 12 أغسطس/آب الجاري، أن واشنطن تتوسط لدى دمشق من أجل الموافقة على فتح معبر إنساني بين إسرائيل والسويداء، وتعارض دمشق هذه الخطوة تحسبا من استخدام الممر لتهريب السلاح، ويعكس هذا التطور حالة تدويل ملف السويداء.

عوامل مؤثرة في مستقبل الأزمة

يرتبط مستقبل أزمة السويداء بجملة من العوامل الإقليمية والمحلية، في مقدمتها:

  • الموقف الإسرائيلي، ومدى استعداد تل أبيب لدعم المجلس العسكري وبعض المجموعات المحلية.

وكان هذا العامل من أبرز أسباب تفاقم الأزمة، حيث زوّدت إسرائيل المجلس العسكري ببعض إمدادات السلاح قبيل المواجهات مع القوات الحكومية وبعدها، وتدخلت عسكريا عبر قصف القوات السورية التي دخلت المدينة منتصف يوليو/تموز الماضي، مما دفع الأطراف المحلية إلى مزيد من التشدد في مواقفها.

ورغم هذا الانخراط المباشر، لا تبدو إسرائيل معنية بالشكل الإداري أو القانوني الذي ستؤول إليه أوضاع السويداء بقدر ما تسعى إلى استثمار المكوّن الدرزي لضمان عدم وصول الجيش السوري إلى مناطق قريبة من الجولان المحتل.

وقد نقلت تقارير عبرية أن تل أبيب طالبت، خلال مفاوضات مع دمشق في باكو وباريس، بإبقاء الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح.

كما تكشف متابعة مراكز الأبحاث الإسرائيلية، ومنها معهد “ألما” الاستخباراتي، أن لدى تل أبيب هواجس من عقيدة الجيش السوري الجديد، خصوصا مع وجود قيادات ذات خلفيات جهادية ضمن صفوفه.

  • أما الموقف الأميركي، فسيحدد ما إذا كانت واشنطن ستضغط على تل أبيب لوقف تدخلها في السويداء.

وقد شهد 12 أغسطس/آب الجاري اجتماعا ثلاثيا في الأردن حول الجنوب السوري، انتهى بتشكيل مجموعة سورية أردنية أميركية لدعم جهود وقف إطلاق النار في السويداء، على أن تواصل اجتماعاتها لصياغة تصورات للحل.

  • ويندرج الموقف الأردني أيضا ضمن العوامل المؤثرة على مصير الأزمة.

وذلك، لما لدى عمّان من قدرة على لعب دور الوساطة بين الحكومة السورية والسويداء، فمن ناحية يمتلك الأردن علاقات جيدة مع الحكومة السورية، بالإضافة إلى اتصالات قديمة من قبل سنوات مع قيادات دينية ومجتمعية في السويداء.

ويبرز في هذا السياق مطلب فتح معبر مباشر بين الأردن والسويداء، حيث إن افتتاح المعبر سيسهم في تعزيز قدرات السويداء على الاستمرار في الاستقلالية عن دمشق وسيكون بطبيعة الحال مكسبا سياسيا مهما للجهات المسيطرة على السويداء في مواجهة الحكومة السورية.

ولا تتوفر حتى اللحظة مؤشرات على إمكانية موافقة عمان على هذا المطلب، في ظل تأكيدات على أنها تتعامل مع الجهات السيادية في سوريا.

  • أداء الحكومة السورية هو الآخر له انعكاسه على مصير أزمة السويداء.

فإظهار قدرتها على ضبط الأوضاع ومنع اندلاع موجات جديدة من التصعيد بين المكونات العشائرية والفصائل المحلية في السويداء، إضافة لقدرتها على تأمين الخدمات، ونجاحها في تعزيز التواصل مع الحراك السياسي والمجتمع الوطني سيساهم إلى حد كبير في تهدئة الأوساط الشعبية بالمحافظة، ويسحب ذرائع التدخل الخارجي وخاصة الإسرائيلي.

السيناريوهات المستقبلية المحتملة

في ظل الظروف والعوامل المحيطة والمؤثرة بأزمة السويداء، فيمكن القول إن مستقبل الأزمة سيسير وفق واحد من سيناريوهين:

  • السيناريو الأول

التوصل إلى حل قريب برعاية الوسطاء الدوليين، ويتضمن بقاء السويداء في إطار سوريا الموحدة، والعمل تدريجيا على إعادة الخدمات إلى المحافظة مع ربطها بالسلطة المركزية، على أن يتولى أبناء المحافظة إدارة شؤون هذه الخدمات، وخاصة من ناحية ضبط الأمن وعدم دخول عناصر من خارج المحافظة تجنبا لاحتكاكات جديدة، ليكون هذا الحل القريب من اللامركزية بمثابة بوابة لإعادة بناء الثقة مجددا.

ومما يعطي مؤشرات على إمكانية تحقق هذا السيناريو التأكيدات التي تضمنها البيان الثلاثي الأميركي الأردني السوري عقب لقاء عمان، والذي أكد على أن السويداء جزء من سوريا الموحدة، مع إشارات من المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك إلى التزام الحكومة السورية بزيادة تدفق المساعدات وتقديم الخدمات.

  • السيناريو الثاني

من المحتمل أن تتحول أزمة السويداء إلى مشكلة مزمنة مع بقاء الوضع على ما هو عليه من انتشار للقوات الحكومية في ريف المحافظة وبقاء المدينة تحت سيطرة المجلس العسكري، وضمان الحكومة السورية لمرور المساعدات لقطع الطريق على محاولات إسرائيل فتح ممرات مع السويداء بحجة تقديم المساعدات الإنسانية.

ومن العوامل التي تدفع باتجاه هذا السيناريو التدخل الخارجي وخاصة الإسرائيلي الذي يساهم دوما في عرقلة التفاهمات بين الحكومة السورية والفعاليات في المحافظة.

ومن الممكن أن تعول الحكومة السورية هي الأخرى على عامل الزمن وحصول تغيرات في الحكومة الإسرائيلية مما يؤدي لاحقا إلى فك التعقيدات، بدلا من تقديم تنازلات تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها، أو توقيع اتفاقيات أمنية مجحفة مع إسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى