Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

إسرائيل تقتلع جذور مخيم نور شمس وتمسح ذاكرته الجغرافية

طولكرم- لم تكتف إسرائيل بهدم الحجر في مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية بل امتدت جرافاتها إلى ما هو أعمق من ذلك، إذ اجتثت ذاكرة المخيم وذاكرة أهله، ومحت معالمه الجغرافية والاجتماعية كما لو أنها تسعى لطمس تاريخ طويل من اللجوء والمقاومة والانتماء.

فمنذ 6 أشهر والمخيم يشهد حملة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة خلفت وراءها ركاما من البيوت وشتاتا لعائلات عريقة هجّرها الاحتلال من جديد تاركا وراءه “حيا بلا روح” بعد أن فكك النسيج الاجتماعي وأعاد رسم هوية المكان وفق حساباته الأمنية والسياسية.

وأعلنت إسرائيل انتهاء عملياتها العسكرية في مخيم نور شمس عبر المنسق الأمني الأميركي مايكل فنزل الذي زار المخيم الأسبوع الماضي لطرح خطة لإعادة إعماره وتأهيل بنيته التحتية.

لكن إسرائيل -التي هدمت خلال هجومها على المخيم نحو 48 مبنى وهجّرت منه 400 عائلة- كانت تهدم في الوقت ذاته ذاكرة المخيم وتاريخه، وترحّل آخر الأجيال التي ساهمت في تأسيسه عام 1951.

وخلال عمليتها العسكرية تعمّدت إسرائيل استهداف وهدم منازل أعرق العائلات وأقدمها في المخيم، مثل عائلات الجندي وشحادة وأبو صلاح وغنّام، وهي عائلات تنحدر من قرى صبارين وأم الزيات وإجزم والكفرين الواقعة ضمن قضاء حيفا، والتي استقر أبناؤها بعد نكبة عام 1948 في منطقة معتقل نور شمس الذي أقامه الاحتلال البريطاني شرق مدينة طولكرم.

فلسطينية تراقب جرافات الاحتلال وهي تهدم منزلها في مخيم نور شمس (الجزيرة)

تاريخ ومقاومة

بنت هذه العائلات على مدار السنوات الماضية وجه مخيم نور شمس الاجتماعي والثقافي، وشارك عدد من أفرادها في عمليات المقاومة ضد الاحتلال، بدءا من الانتفاضة الأولى وصولا إلى تشكيل كتيبة طولكرم وكتيبة طولكرم “الرد السريع” التي انطلقت قبل الحرب على غزة بعامين.

تقول نهاية الجندي العضوة في لجنة خدمات مخيم نور شمس وإحدى النازحات منه إن والدتها البالغة من العمر نحو 100 عام كانت تحمل تفاصيل أحداث النكبة، وترويها لأبنائها وأحفادها وجيرانها وكل من زارها على مدار 70 عاما من وجودها في المخيم، وإن المنزل الذي هدمه الاحتلال كان محطة انتظار لحين العودة إلى حيفا.

وتضيف الجندي في حديثها للجزيرة نت أن الاحتلال أجبر عائلتها على إخلاء منزلها رغم صعوبة حركة والدتها، كما أجبرها على ترك منزلها برفقة طفلتها الوحيدة والنزوح خارجه، قبل أن يُهدم لاحقا ضمن الخطة الأولى لهدم المنازل في نور شمس.

وترى أن هدم منزل عائلتها هو “استهداف حقيقي لنا ولغيرنا من عائلات المخيم الكبيرة، وذلك لإلغاء فكرة المخيم التي تجسدت في شكل هذه المنازل وطبيعة بنائها وهويتها الهندسية”.

صورة٤_ فاطمة محمود الجزبرة نت طولكرم فلسطين _ جرافات الاحتلال هدمت منازل في مخيم نورشمس
جيش الاحتلال يتعمد استهداف منازل العائلات خلال الاقتحامات المتكررة للمخيم (الجزيرة)

هدم النسيج الاجتماعي

وبحسب أهالي المخيم، فقد نجح الاحتلال إلى حد كبير في خرق النسيج الاجتماعي والروابط الشعبية بين الأسر المختلفة، إذ تفرق الناس وتباعدت أماكن نزوحهم وأصبحت اللقاءات بين الجيران والأقارب شبه مستحيلة، كما بدأ الجيل الجديد بالانفصال عن نمط الحياة والقيم التي عاشها أهله في المخيم، مما قد ينعكس على نظرتهم وانتمائهم للمكان.

تقول شذى حسين (22 عاما) إن “الارتباط بين الناس في المخيم كان قويا جدا، واليوم تمضي الشهور دون أن نعرف أي أخبار عن جيراننا الذين كنا نجتمع معهم يوميا في حاكورة (حديقة) المنزل”.

ورغم أن منزل عائلة شذى لم يهدم فإن الاحتلال دمر أكثر من بناية في الحارة التي تسكنها.

وترى شذى أن الاحتلال “دفن ذكريات العائلات وقصص لجوئهم وسنوات شقائهم في المخيم مع ركام المنازل، وهدم جذور المخيم، وحتى إن عدنا إليه فإن العودة ستكون ناقصة، فهناك عائلات متجذرة لم يعد لها مأوى ولا بيوت ولا أساس”.

استهداف العائلات

ويلاحظ تعمّد جيش الاحتلال استهداف منازل العائلات خلال الاقتحامات المتكررة للمخيم، والتي تواصلت على مدى العامين الماضيين، إذ أحرقت منازل لعائلتي شحادة وغنام، وهدمت أجزاء من منازل تعود لعائلات أبو صلاح ومثقال والزهيري، كما رصدت لجنة خدمات المخيم تضرر 1600 منزل بشكل جزئي خلال الاقتحامات بين عامي 2023 و2024.

وكان الاحتلال قد أضرم النار في منزل ميسر شحادة (61 عاما)، قبل أن تقوم الجرافات الإسرائيلية بتسويته بالأرض في مايو/أيار الماضي.

ويرى المحلل السياسي سليمان بشارات أن إسرائيل تسعى إلى تغيير الوعي والعقلية الفكرية للفلسطينيين داخل المخيم ولدى الأجيال المقبلة أيضا، مؤكدا أن “هدم المخيمات لا يمكن أن يكون لدواع أمنية”.

ويضيف بشارات -للجزيرة نت- أن الاحتلال يسعى إلى إعادة هيكلة مفهوم المخيمات الفلسطينية وتحويلها إلى بيئة مختلفة من حيث التركيبة الجغرافية والهيكلية والهندسية، لتصبح أقرب إلى الأحياء السكنية، في محاولة لتغيير التركيبة النفسية لسكانها وتبديل العقلية والهوية، ولذلك تستهدف إسرائيل في عمليات الهدم منازل العائلات المتأصلة في المخيمات.

ويشير محللون إلى أن الاحتلال يستخدم سياسة العقاب الجماعي، ولا سيما في المخيمات، ومنها يوسع سياسته إلى سائر مناطق الضفة، وبما أن هذه العائلات شارك بعض أبنائها في العمل الوطني أو أنها احتضنت ودعمت الحالة الوطنية في المخيمات فإن الاحتلال يسعى لتحويلها إلى نموذج في العقاب عبر هدم منازلها وحرق ممتلكاتها وتشريد أفرادها وملاحقتهم واعتقالهم.

وبحسب تقديرات رسمية، فإن الاحتلال الإسرائيلي هدم منذ بداية الجدار الحديدي في مخيمات طولكرم 600 منزل بشكل كلي و2573 منزلا بشكل جزئي، مما أدى إلى تهجير 500 عائلة من مخيمي نور شمس وطولكرم ونزوح ما يقارب 25 ألف شخص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى