غياب السيولة والبضائع يفاقم أزمة العمل الخيري بغزة

غزة – يواجه العمل الخيري في قطاع غزة تحديات جسيمة تعيق إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المنهكين من الحرب والحصار بسبب استهداف الاحتلال الإسرائيلي المباشر لعمال الإغاثة وإغلاق المعابر.
ويحذر ناشطون في هذا المجال من تفاقم الأزمة الإنسانية بقطاع غزة إذا استمر الاحتلال في تشديد الحصار، مما يزيد من خطر المجاعة.
وأغلقت إسرائيل، في بداية مارس/آذار الجاري، معابر القطاع بشكل كامل، متنصلة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت له مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوساطة قطرية مصرية نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
استهداف مباشر
وقال مدير برنامج التغذية بمكتب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية في غزة إبراهيم إرشي للجزيرة نت إن “الاستهداف المباشر من قبل سلطات الاحتلال هو العائق الأساسي أمامنا، وهناك العديد من الزملاء ارتقوا شهداء جراء استهدافهم خلال عملهم الإنساني”.
وبحسب الأمم المتحدة، قتلت إسرائيل أكثر من 300 من عمال الإغاثة عبر غارات شنتها، كان آخرها الجمعة الماضي، حيث قُتل موظف في منظمة “أطباء بلا حدود” في غارة على دير البلح وسط القطاع.
وفي 15 مارس/آذار الجاري، استشهد 9 من عمال الإغاثة وصحفيون مرافقون لهم في غارة جوية إسرائيلية استهدفتهم في منطقة بيت لاهيا شمالي غزة.

أما عن العوائق الأخرى، فذكر إرشي أن أهمها هو عدم توفر السلع التي يحتاجها السكان بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد على جميع مناحي الحياة. ويؤكد “لا نجد ما نقدمه للناس بسبب نقص البضائع والغذاء، وغلاء أسعارها بشكل كبير”.
وأضاف أن إغلاق إسرائيل المعابر وتشديد الحصار “يقتل” العمل الخيري الذي يعتمد على ما يدخل من سلع وبضائع، و”إذا استمر هذا الوضع سنصل إلى حد المجاعة، وبالفعل فقد بدأ الناس لا يجدون المواد الغذائية الأساسية، نحن نعاني بشدة، وحتى في برنامج التغذية الخاص بالأطفال والنساء الحوامل والمرضعات لا نجد المواد الكافية التي نقدمها لهم، وهذا الأمر أدى إلى تعطيل عملنا”.
وحذر المسؤول من أن تشديد العدوان عقب استئناف الاحتلال للحرب من شأنه أن يفاقم الأزمة ويزيد من النقص الكبير في المساعدات.
نقص السيولة
واستأنفت إسرائيل، الثلاثاء الماضي، بشكل مفاجئ حرب الإبادة على قطاع غزة من خلال تصعيد عسكري كبير شمل معظم مناطق القطاع واستهدف المدنيين وقت السحور، ويعد هذا الهجوم أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرم بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، مما أدى إلى استشهاد المئات.
وتطرق إرشي أيضا إلى مشكلة صعوبة المواصلات التي تزيد من أعباء العمل الخيري بشكل عام، قائلا “لا توجد مركبات ولا وقود لتشغيلها، وبالتالي نجد صعوبة في نقل موظفينا والمساعدات للناس”.
ويعاني قطاع غزة من نقص السيولة النقدية جراء إغلاق البنوك، ورفض إسرائيل إدخال العملات الورقية والمعدنية.
ويضطر السكان إلى دفع عمولات باهظة لبعض الصرافين والتجار مقابل منحهم السيولة النقدية، تصل إلى نحو 25% من قيمة المبلغ الأصلي المتوفر في حساباتهم البنكية.
وتُلقي هذه المشكلة بظلالها السلبية على العمل الخيري الذي يعتمد على التمويل الخارجي الإلكتروني عبر البنوك.
ويقول مدير برنامج التغذية بمكتب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية في غزة إبراهيم إرشي إن “غياب القدرة على سحب العملات النقدية يؤثر علينا بشكل سلبي ويجعلنا نعمل بالحد الأدنى من طاقتنا”.

وتتفق داليا أبو مرسة، العاملة في مجال الإغاثة، مع إرشي في خطورة مشكلة انعدام السيولة النقدية على نجاح العمل الخيري في التخفيف من معاناة سكان قطاع غزة. وتقول للجزيرة نت “عدم توفر العملات النقدية (الكاش) من أصعب الأشياء التي نواجهها، فالكثير من التجار يرفضون أن نحوّل لهم المال إلكترونيا على محافظهم البنكية ويطلبونها نقدا”.
وتشير إلى أنهم يضطرون إلى دفع عمولات كبيرة، تصل في بعض الأحيان إلى 27% من قيمة أموال التبرعات.
وتضيف “نقص المال الكاش يعني أن كل ألف دولار مساعدات تصلنا، تنقص إلى نحو 750 دولارا فقط بعد اقتطاع العمولة، وهذا كله على حساب السكان المحتاجين”.
ويؤثر نقص البضائع على عدد المستفيدين من المشاريع الخيرية التي تنظمها أبو مرسة مع زملائها المبادرين. فعلى سبيل المثال، كان عدد المتلقين لسلال الخضروات يبلغ نحو 150 أسرة، لكنه لا يزيد حاليا عن 40.

انتكاسة كبيرة
وينطبق الأمر ذاته على الطرود الغذائية التي تحتوي عادة على أصناف كالبقوليات والسكر وزيت الطعام.
وتُرجع داليا أبو مرسة السبب إلى عدم توفر البضائع في السوق وارتفاع أسعارها بشكل كبير، بالإضافة إلى مشكلة العمولات التي تُقتطع بهدف توفير السيولة النقدية.
وتضيف “غلاء الأسعار يحاصرنا، وأيضا السلع شحيحة جدا وغير موجودة، حاليا لا نعرف ماذا سنوزع على الناس”. وتخشى تصاعد العدوان وترى أنه قد يتسبب بتوقف كامل لأعمال الإغاثة وفي مجاعة حقيقية للسكان، وتؤكد “عشنا هذا الوضع قبل عدة شهور في شمالي القطاع، حيث وصلنا بالفعل إلى حد المجاعة، ولم نكن نجد ما نقدمه للناس”.
من جانبه، كان المُبادر وائل أبو محسن يعتقد أن موسم شهر رمضان سيشهد طفرة كبيرة في المساعدات التي ستصل إلى السكان جراء وقف إطلاق النار وكميات البضائع الكبيرة التي دخلت الأسواق، لكن تنصل الاحتلال من الاتفاق وإغلاقه المعابر بشكل كامل أحدث انتكاسة كبيرة في العمل الإغاثي، وفق تصريحه.
وفي بداية رمضان تمكن أبو محسن من تجهيز كميات كبيرة من الطعام المحتوي على اللحوم، ولكن سرعان ما توقف عن ذلك، واكتفى بتقديم البقوليات كالعدس والفاصولياء.

ويقول للجزيرة نت “نعاني من مشكلة عدم توفر المواد الغذائية في الأسواق وشحها وارتفاع أسعارها. مع بداية رمضان كنا متفائلين وجهزنا تكايا، وقدمنا اللحوم والدجاج والأرز، لكن الآن كل هذا توقف بسبب عدم توفره في الأسواق وارتفاع الأسعار الكبير”.
ووفقا له، فإن القائمين على العمل الخيري غير قادرين على شراء البضائع بالأسعار المعروضة بها حاليا، وفي الوقت ذاته فإن المواطنين بحاجة ماسة للمساعدات والطعام والماء والملابس والخيام، مؤكدا أن استمرار هذا الوضع خطير للغاية.
وتابع أبو محسن “القطاع يعيش فقط على ما يتم إدخاله من المعابر، ومنذ أكثر من 22 يوما لم يتم إدخال أي شيء، والمخزون بدأ في النفاد، وهذا ما يهدد بمجاعة حقيقية”.