قراءة في زيارة نتنياهو لأميركا وخطوات ترامب القادمة

واشنطن- جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة– الثالثة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، في ظل ظروف استثنائية في قضايا الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط.
ويرى معلقون أن الزيارة دليل على أن نتنياهو أصبح معزولا بشكل أكبر دوليا، إذ لا يمكنه اللجوء إلا لواشنطن، وفي الوقت ذاته، لم يفعل نتنياهو سوى الحد الأدنى الذي طالب به كل من الرأي العام الإسرائيلي وكبار مستشاريه العسكريين، في ما يتعلق بقطاع غزة أو تجاه عرقلة ما قد يتجدد من مفاوضات أميركية إيرانية نووية قريبا.
ومع عدم نجاح إسرائيل، رغم الدعم الأميركي الواسع، والتدخل العسكري المباشر منها، في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولا حزب الله اللبناني، ولا جماعة أنصار الله (الحوثيين) اليمنية، ولا القدرات العسكرية الإيرانية بالكامل، وعدم حلحلة ملف التطبيع مع السعودية، يبقى مصير نتنياهو معلقا بيد ترامب على الرغم من تكرار زيارته للبيت الأبيض.
حيثيات الزيارة
وجاءت الزيارة -التي امتدت لـ4 أيام- بعد أقل من أسبوعين من وقف القتال بين إيران من جانب، وبين إسرائيل والولايات المتحدة من جانب آخر، مع حديث عن قرب عودة واشنطن وطهران لمائدة التفاوض، وأتت أيضا في خضم مفاوضات ماراثونية تشارك فيها واشنطن للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.
كما حدثت الزيارة وانتهت، وسط حديث متجدد عن مساع أميركية جادة لتوسيع نطاق “اتفاقيات أبراهام” على أمل أن تنضم إليها السعودية وسوريا ولبنان.
واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، السفير ديفيد ماك، أن “نتنياهو استغل الاجتماع لإعطاء ترامب نسخة من توصيته للجنة نوبل بمنح ترامب جائزة السلام. ولطالما كان هذا طموحا لترامب، لكن الأمر سيتطلب أكثر من مجرد دعاية فارغة لإقناع لجنة نوبل. وحسب علمي، لم يحرز أي تقدم آخر بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية”.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار السفير ماك إلى أن هناك خلافات رئيسية بين ترامب ونتنياهو عندما يتعلق الأمر بـ”اليوم التالي” في غزة، وكيفية التعامل مع إيران بعد حرب الـ12 يوما.
وأضاف أن ترامب يُدرك أن “مصر والأردن والسعودية ودولا عربية وإسلامية أخرى تتطلع إليه شخصيا للعب دور القيادة في هذه القضايا، خاصة أن ترامب كان من دعاة حل الدولتين لإسرائيل وفلسطين، وهو يتعرض حاليا لضغوط متزايدة محليا بسبب الوضع الإنساني المروع في غزة”.
ويريد ترامب لإطلاق النار اتفاقا لا تقبله فقط إسرائيل، بل يجب أن تقبله أيضا حماس، ويدرك أنه بعيدا عن وقف إطلاق النار في غزة، يظل مفتاح التحول الإقليمي المهم له ولواشنطن -إن أراد- دفع السعودية نحو مسار التطبيع مع إسرائيل.
من جانبه، قال المسؤول السابق بوزارة الخارجية، السفير فريدريك هوف، للجزيرة نت، إن “زيارة نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض جاءت هادئة للغاية من حيث الدعاية والترويج لها، والاهتمام الإعلامي والسياسي. وهذا يشير إلى أن الدبلوماسية الهادئة يمكن أن تنتج احتمالا حقيقيا جدا لوقف إطلاق النار في غزة”.

ملف إيران
وعن الموقف من إيران، قال هوف إن الزعيمين يتفقان على ضرورة التخلص من اليورانيوم المخصب، ووضع قيود على تطوير برامج الصواريخ الباليستية. ويبدو أن نتنياهو راض عن دعم جهود ترامب الدبلوماسية لتحقيق هذه الأهداف، وأن ترامب لم يستبعد القيام بعمل عسكري مستقبلا إذا لم تمتثل إيران.
في حين قال ماك إن “وسائل الإعلام الأميركية قامت بعمل جيد بالعودة إلى تلك القصة بعد الأحداث الدرامية لما تسمى حرب الـ12 يوما. وفي الوقت الذي ترى فيه إيران بعض الدول العربية باعتبارها متواطئة في مواقف ترامب المعادية لإيران والفلسطينيين، من الإيجابي أن تعود واشنطن وطهران لطاولة التفاوض”.
واعتبر هوف أن قضية “اليوم التالي” في غزة تحمل في تبعاتها مواقف مختلفة بين ترامب ونتنياهو. وأضاف أن “الرئيس ترامب يريد ترتيبات من شأنها أن تُرضي ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وتمهد الطريق لاستئناف المناقشات حول توسيع اتفاقيات أبراهام. وفي الوقت الذي يرغب فيه نتنياهو في رؤية التطبيع بين تل أبيب والرياض، فلا تزال أولويته القصوى الحفاظ على ائتلافه الحاكم”.
ترامب وخطوته المقبلة
ويكرر معلقون أنه بالنظر لطبيعة شخصية ترامب الهوائية والمتغيرة، لا يمكن ضمان استمرار قوة علاقاته بنتنياهو.
وعن ذلك يقول السفير هوف: “يبدو أن نتنياهو قد وضع حدا لاحتمال انقلاب ترامب عليه علنا بسبب الوضع في غزة، لكن الكثير سيعتمد على ما سيفعله نتنياهو إذا وافقت حماس على الصيغة الأميركية لوقف إطلاق النار”.
وأضاف “إذا وضع نتنياهو شروطا جديدة، كما فعل سابقا، خوفا من انهيار ائتلافه، فقد تصبح الخلافات بينه وبين الرئيس ترامب علنية للغاية وغير سارة على الإطلاق”.
من جانبها، وفي تناغم مع موقف نتنياهو، تساءلت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال -المعروفة بتبنيها خطا متشددا في السياسة الخارجية، وقربها من الحزب الجمهوري– واستغربت من دعوة ترامب إيران للعودة لطاولة التفاوض.
وكان مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف قال إن اجتماعا مع وزير خارجية إيران عباس عراقجي سيعقد الأسبوع المقبل أو نحو ذلك.
ورأت الصحيفة أن عدم اعتراف إيران بالهزيمة، وعدم إظهارها أي علامات على التخلي عن مخططاتها الثورية أو النووية، قد يفسح المجال لإهدار إنجازات الحرب، وتعريض مصالح واشنطن للخطر.
وذكّرت ترامب بأن إيران قد طردت فعلا مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، وأنها قد تنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهو ما سيجعل من المستحيل معه إجراء تقدير فعلي لمستوى الأضرار التي لحقت ببرنامجها النووي.