فرنسا تفتح ملف “تيك توك”… هل يهدد التطبيق الصحة النفسية للشباب؟

أطلق البرلمان الفرنسي، يوم الأربعاء، استشارة وطنية عبر الإنترنت تهدف إلى استقصاء آراء المواطنين بشأن تأثير استخدام منصة “تيك توك” على الصحة النفسية، لاسيما في أوساط الشباب، في خطوة تعكس تصاعد القلق العام حول الأثر العاطفي والمعرفي لمنصات التواصل الاجتماعي.
وتتضمن الاستشارة، التي تستمر حتى 31 مايو/أيار، مجموعة من الأسئلة المصاغة بعناية لاستكشاف العلاقة النفسية للمستخدمين مع المنصة، مثل: “هل تجد صعوبة في الابتعاد عن تيك توك؟” أو “ما مدى شعورك بأن المحتوى على المنصات الرقمية يخضع لرقابة كافية؟”
ووفقًا لما ورد في الإعلان الرسمي للجمعية الوطنية، تهدف هذه المبادرة إلى إشراك كل من البالغين والقاصرين الفرنسيين -بشكل مباشر أو من خلال أولياء أمورهم- في تقييم تجربتهم مع وسائل التواصل الاجتماعي، مع تركيز خاص على تطبيق “تيك توك” بوصفه نموذجًا لمنصات الجذب السريع والتأثير العميق.
ويُعد هذا التحرك جزءًا من نقاش أوسع داخل فرنسا وأوروبا حول الآثار النفسية والثقافية للتفاعل اليومي مع المحتوى الرقمي المتسارع، وما إذا كان يشكّل تحديًا للصحة العامة وسلوكيات الأجيال الناشئة.
ومن المتوقع أن تُشكّل نتائج الاستشارة الوطنية ركيزة أساسية لأعمال اللجنة البرلمانية التي باشرت تحقيقاً شاملاً في تداعيات استخدام منصة “تيك توك”، المملوكة لشركة “بايتدانس” الصينية، والتي تحظى بشعبية طاغية بين فئة المستخدمين الشباب في فرنسا.
محتوى مسبب للإدمان
وبحسب الإحصاءات المتوفرة، فإن نحو 40% من الفرنسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً يستخدمون “تيك توك” بشكل يومي، ما يعزز من أهمية هذا التحقيق البرلماني في ظل تصاعد القلق من “محتوى يوصف بأنه ضار ومسبب للإدمان”.
وفي هذا السياق، وصفت النائبة لور ميلر، المنتمية لحزب الرئيس إيمانويل ماكرون “النهضة”، في منشور على منصة “إكس”، المبادرة البرلمانية بـ”الفرصة الفريدة للمواطنين للمساهمة في أعمال اللجنة”، مؤكدة أهمية الرأي العام في توجيه مخرجات التحقيق.
وتشغل ميلر كذلك منصب مقرر اللجنة الخاصة التي أُنشئت في مارس الماضي لتقويم أثر “تيك توك” على المستخدمين، ومراقبة آليات الإشراف التي تتبعها المنصة. وقد شرعت اللجنة في سلسلة من جلسات الاستماع التي شملت باحثين وصحفيين ومنظمات شبابية ومسؤولين حكوميين، إضافة إلى عدد من صنّاع المحتوى على المنصة.
ومن المنتظر أن يتم استدعاء ممثلي “تيك توك” رسمياً للإدلاء بشهاداتهم أمام اللجنة في الأسابيع القادمة، في خطوة قد تفتح الباب أمام مراجعة تشريعية محتملة لآليات عمل المنصات الرقمية داخل فرنسا.
ومن المنتظر أن تُنهي اللجنة البرلمانية أعمالها بنشر تقريرها النهائي في موعد أقصاه شهر سبتمبر المقبل، ما سيشكّل محطة حاسمة في تقييم أثر “تيك توك” على المجتمع الفرنسي، وتحديداً فئة الشباب الأكثر عرضة لتأثيراته النفسية والسلوكية.
وتأتي هذه التحقيقات في سياق تصاعدي للتوتر القانوني والاجتماعي المحيط بالمنصة، حيث كانت سبع عائلات فرنسية قد رفعت دعاوى قضائية ضد “تيك توك” في نوفمبر 2024، متهمةً التطبيق بترويج محتوى “ضار” و”إدماني” وبتقصيره في فرض رقابة فعالة على محتواه، ما تسبب، بحسب الشكاوى، في أضرار مباشرة على الصحة النفسية للمراهقين، وصولاً إلى انتحار مستخدمَين شابَّين.
وفي تطوّر لافت، انضمت أربع عائلات إضافية إلى هذه الدعوى الشهر الماضي، وفقًا لما أوردته وسائل الإعلام الفرنسية، ما يعكس اتساع نطاق الغضب الشعبي والقلق المجتمعي من التأثيرات العميقة التي تُحدثها المنصة في حياة المستخدمين القُصّر، ويزيد من الضغط على السلطات لمساءلة المنصة وتشديد التشريعات المتعلقة بها.